في حادث صادم ومُروع؛ انفجرت الآلاف أجهزة الاتصال اللاسلكي من نوع Pager في نفس الوقت داخل الأراضي اللبنانية. وكانت هذه الأجهزة تابعة لأفراد حزب الله؛ المقاومة اللبنانية التي خاضت العديد من الصراعات العسكرية مع الكيان الصهيوني بهدف تحرير جنوب لبنان. ورغم عدم وجود أي أدلة صريحة أو مباشرة على تورط الكيان في هذه العملية الإرهابية؛ تُشير كافة القرائن إلى أنها عملية استخباراتية تقنية نفذها جيش الاحتلال؛ إذ يعلم الجميع مدى التفوق التقني الإسرائيلي خاصةً في مجالات التجسس والحرب الإلكترونية.

مشهد من كاميرا مراقبة في لبنان خلال انفجار جهاز Pager وسط سوق مُكتظ بالمدنيين!

طبقًا لرويترز؛ رفض الجيش الإسرائيلي الإدلاء بأي تصريحات أو تعليقات على الحادث الإرهابي؛ وهو تصرف معهود من جيش الإجرام الصهيوني عقب ارتكابه العديد من العمليات الاستخباراتية التي تتنافى مع كافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. تسبب هذا الحادث في استشهاد نحو 20 فردًا وإصابة أكثر من 3000 مواطن لبناني بعدد من الإصابات المتفرقة أغلبها في الأيدي؛ ولكن أعلنت السلطات اللبنانية عن وقوع بعض الإصابات في الوجه والعين. وكان أبرز المُصابين في هذا الحادث السفير الإيراني في لبنان «مجتبى أماني».

وفي اليوم التالي لهذا الحادث؛ تكررت موجة ثانية من الانفجارات داخل الأراضي اللبنانية؛ تحديدًا في جنوب لبنان، ولكن هذه المرة كانت الانفجارات في أجهزة الاتصال اللاسلكي، كما ذكرت بعد التقارير انفجار بعض الأجهزة التقنية الأخرى مثل أنظمة الطاقة الشمسية وأجهزة البصمة الإلكترونية. ويكشف هذا الحادث الهيمنة الفجة للكيان الصهيوني على الشركات التقنية والعالم الغربي عمومًا؛ فقد أصبح الكيان الآن قادرًا على زرع قنابل موقوتة داخل منازلنا!

ما هي أجهزة البيجر (Pager)؟

تُعد أجهزة البيجر ضمن أدوات الاتصال اللاسلكي عن بُعد، والتي تعمل عن طريق إرسال واستقبال الرسائل النصية القصيرة، بالإضافة أيضًا إلى الرسائل الصوتية المحدودة في بعض الأجهزة. وتعمل أجهزة البيجر أيضًا على إرسال إشارات صوتية بهدف التنبيه عند الحاجة؛ ولهذا يُطلق عليها البعض أجهزة التنبيه أو أجهزة النداء الآلي. وتُعد هذه الأجهزة أداةً ضروريةً للجيوش والفرق العسكرية، وحتى فرق الإنقاذ والطوارئ؛ إذ تعمل بإشارات راديو لاسلكية في مختلف المناطق غير المأهولة في ظروف انقطاع شبكات المحمول التقليدية. 

أجهزة النداء الآلي

طبقًا لتقرير رويترز؛ كانت هذه الأجهزة ضمن صفقة حديثة حصل عليها حزب الله منذ شهور فقط، وهي صفقة كبرى تضمنت أحدث الطرازات من أجهزة البيجر؛ طراز AR924. أبرم حزب الله هذه الصفقة مع شركة Gold Apollo التايوانية؛ وهي شركة تقنية مُتخصصة في صناعة  هذا النوع الأجهزة، كما تُعد من الشركات التايوانية الرائدة في صناعة أجهزة النداء الآلي.

تأسست شركة Gold Apollo في عام 1995، وقد توسعت في تصنيع العديد من المنتجات التقنية الأخرى بسبب تراجع الطلب على أجهزتها الرائدة من نوع Pagers؛ إذ تراجع الطلب على هذه الأجهزة البدائية مع تطور وسائل الاتصال اللاسلكي المختلفة. ورأى حزب الله أن هذه الأجهزة ستكون خيارًا مثاليًا بسبب عدم اعتمادها على الاتصالات التقليدية؛ إذ ظنت المقاومة اللبنانية أنها ستكون آمنةً بهذه الأجهزة بعيدًا عن التقنيات الإسرائيلية الفائقة في مجال الحرب السيبرانية. ولكن ربما تمكن الاحتلال من اختراق هذه الأجهزة بطريقة أخرى مختلفة عن الاختراق السيبراني المعهود؛ فعلى ما يبدو أن المخابرات الإسرائيلية قد نجحت في اختراق هذه الأجهزة ماديًا!

كيف انفجرت أجهزة البيجر الخاصة بحزب الله؟

لا توجد أي تفاصيل دقيقة حتى الآن حول مُلابسات هذا الحادث؛ ومن المتوقع أن يبدأ حزب الله سلسلةً من التحقيقات لمعرفة الحقيقة. ومع ذلك؛ ذكر أحد المصادر اللبنانية أن الانفجارات وقعت في بطاريات الجهاز من نوع الليثيوم؛ إذ تعرضت هذه البطاريات لارتفاع حاد ومُفاجئ في درجات الحرارة. ورأى بعض الخبراء أن هذه العملية قد تكون مُدبرة من البداية؛ إذ كانت هذه صفقة حديثة العهد بعد اشتعال الحرب بين حزب الله وجيش الاحتلال تزامنًا مع العدوان الصهيوني على غزة. ولهذا؛ من المُحتمل أن تكون الأجهزة مُلغمةً ببرمجيات خبيثة أو بطاريات معيوبة تُسهل تنفيذ هذه العملية.

وصرح مصدر آخر، إلى المؤسسة اللبنانية للإرسال، أن هذه العملية قد تكون هجومًا سيبرانيًا مُتقدمًا؛ وذلك عبر اختراق الخوادم المُشغلة للخدمة لحقن كود برمجي خبيث يعمل على زيادة الإشعارات بشكل حاد ومُفاجئ، ما أدى إلى استهلاك البطاريات بشكل مُفرط لترتفع درجة حرارتها إلى حد الانفجار. ولكن استبعد عدد من الخبراء هذه النظرية؛ وذلك بسبب آلية العمل البدائية في هذا النوع من الأجهزة.

لا يبدو هذا السيناريو منطقيًا عند النظر إلى حجم الدمار الذي خلفته انفجارات البيجر؛ فهذه البطاريات لا تنفجر بالمعنى المعتاد، ولكنها تشتعل بفرقعة بسيطة قد لا تتسبب أصلًا في أي إصابات. ويُذكر أيضًا أن أجهزة البيجر تعتمد على بطاريات ليثيوم صغيرة ومحدودة للغاية مقارنةً بالبطاريات التي تعتمد عليها هواتفنا الذكية.

أما السيناريو الأقرب إلى الصحة حاليًا؛ هو اعتراض المخابرات الإسرائيلية لسلاسل التوريد الخاصة بهذه الأجهزة؛ إذ تمكن الموساد من زرع مواد مُتفجرة، داخل الأجهزة التي حصل عليها حزب الله ضمن هذه الصفقة. ولهذا؛ بدأت أصابع الاتهام تُشير نحو الشركة التايوانية Gold Apollo؛ فهي الشركة المسؤولة عن تطوير هذا النوع من الأجهزة، وربما تمكن الموساد من تفخيخ الشحنة التي جهزتها الشركة لحزب الله.

أجهزة بيجر Gold Apollo التي انفجرت في لبنان

إذا ثبتت هذه التهمة على شركة Gold Apollo؛ ستصبح الشركة في مأزق أمام عملائها حول العالم. فهذه التهمة تُمثل خيانةً للأمانة، كما تجعل الشركة متورطةً بدماء العديد من الضحايا المدنيين الذين أُصيبوا بسبب انفجار هذه الأجهزة. ولهذا؛ سارع السيد شو تشينغ-كوانغ، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة Gold Apollo، بنفي أي صلة بين شركته وحادث انفجار أجهزة البيجر الإرهابي؛ إذ صرَّح أن هذه الصفقة تحديدًا صُنعت من خلال شركة مجرية تُدعى BAC.

قد يُهمك أيضًا:

الموجة الثانية..انفجار أجهزة الاتصال اللاسلكي Walkie-Talkie

في اليوم التالي بعد انفجار أجهزة البيجر؛ بدأت موجة جديدة من الانفجارات المُركزة في جنوب لبنان، ولكنها كانت بسبب أجهزة الاتصالات اللاسلكية Walkie-Talkie. تعمل هذه الأجهزة عن طريق موجات الراديو لإرسال واستقبال المكالمات الصوتية؛ وهي أداة لا غنى عنها في المؤسسات العسكرية والشرطية وفرق الإنقاذ. ومع ذلك؛ لا يُحبذ استخدام هذه الأجهزة لنقل البيانات الحساسة في أوقات الحرب؛ إذ يسهل اعتراض إشارات الراديو للتجسس على هذه المحادثات. ولكن فاجأنا الاحتلال باعتراض من نوع آخر؛ فقد اعترض الموساد صفقة هذه الأجهزة قبل تسليمها إلى حزب الله؛ وذلك ليتمكن في النهاية من تفخيخها بالمواد المتفجرة، أو حتى بتقنية انفجارية غير معلومة حتى الآن!

كانت هذه الأجهزة من طراز ICOM-V82، وهو طراز ياباني من أجهزة اللاسلكي المُتطورة، وحصل عليها حزب الله ضمن صفقة أبرمها في نفس توقيت صفقة أجهزة البيجر منذ 5 أشهر تقريبًا. فمن المُرجح أن الموساد الإسرائيلي قد تمكن بطريقة ما من اعتراض سلاسل التوريد في كلتا الصفقتين؛ لينجح في تفخيخ الأجهزة قبل تسليمها إلى حزب الله. 

حرائق وانفجار أجهزة لاسلكي ICOM في لبنان

تسببت هذه العملية الإرهابية في انفجارات عنيفة أدت إلى حرق عشرات المنازل والسيارات، فقد صرَّحت هيئة الدفاع المدني اللبناني أنها أخمدت حرائق بأكثر من 60 منزلًا بسبب هذه الانفجارات. وحتى هذه اللحظة؛ بلغت حصيلة ضحايا الحادث أكثر من 450 جريحًا مع استشهاد 14 فردًا، وقد ذكرت بعض وكالات الأنباء انفجار بعض ألواح الطاقة الشمسية مع أجهزة البصمة الإلكترونية تزامنًا مع انفجارات أجهزة اللاسلكي. ومع ذلك؛ لا توجد معلومات دقيقة حول آلية انفجار هذه الأنظمة؛ إذ يعتقد الخبراء أنها تضررت بشكل ثانوي نتيجةً لانفجار أجهزة اللاسلكي بالقرب منها.

تلغيم الأجهزة التقنية تاريخيًا

هذه ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها الأجهزة التقنية المُفخخة لتنفيذ العمليات العسكرية؛ ولكنها بالطبع ستظل العملية الأكبر على الإطلاق حتى الآن! فقد سبق للكيان تنفيذ عملية مُشابهة تمامًا عند اغتيال الشهيد يحيى عياش في عام 1996؛ وهو أحد مهندسي حركة المقاومة الفلسطينية الذي تخصص في صناعة المتفجرات. ونجح جهاز الشاباك الإسرائيلي في تفخيخ أحد الهواتف المحمولة التي أخذها صديق عياش، وعميل الشاباك، بكمية محدودة من المتفجرات تصل إلى 50 غرامًا فقط. وذلك بعد أن أكدت المعلومات الاستخباراتية للكيان أن عياش سيستخدم هذه الهاتف بشكل متردد. 

وبفضل تفوق الكيان في تقنيات المراقبة والتجسس؛ تمكن الشاباك من تفجير الهاتف عن بُعد عند إجراء عياش مكالمةً هاتفيةً؛ وذلك عن طريق إحدى الطائرات الإسرائيلية المُتخصصة في الحرب الإلكترونية، والتي كانت تُحلق في سماء فلسطين. تخيل عزيزي القارئ أن الكيان تمكن من تنفيذ هذه العملية منذ 30 عامًا؛ فكيف سيكون الحال الآن وسط التقدم التقني الهائل في مجال الحرب الإلكترونية والتجسس والاختراق، ناهيك عن تقدم تقنيات المُسيرات التي يُشتبه مشاركتها بشكل رئيسي في تنفيذ هذه العملية على نطاق واسع يشمل كافة أنحاء الأراضي اللبنانية!

الشهيد يحيى عياش..من أوائل شهداء الحرب التقنية للكيان الصهيوني

واليوم؛ يُعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بداية «حقبة جديد» من الحروب؛ ما يُمثل اعترافًا ضمنيًا بمسؤولية جيش الاحتلال عن هذا الحادث. ويُشير هذا التصريح إلى مدى التقدم الخارق في تقنيات التجسس والحرب الإلكترونية عند جيش الاحتلال، والذي يُعد ضمن أقوى الجيوش العالمية في هذا المجال؛ إن لم يكن أقواها بالفعل!

يظل العلم في النهاية المفتاح الأساسي للتقدم والقوة. فقد حقق الكيان المحتل تفوقًا تقنيًا ملحوظًا من خلال استثماره في البحث العلمي ودعمه للابتكار في مختلف المجالات التكنولوجية. وبهذا؛ أصبح قوةً تقنيةً رائدةً في المنطقة. في المقابل، وللأسف؛ ينشغل العديد من الدول العربية بنزاعات داخلية وخلافات هامشية لا تُسمن ولا تُغني من جوع!