منذ بداية الحرب الغاشمة على غزة، كان لإيلون ماسك، الملياردير ورجل الأعمال الأمريكي، دور بارز في الموقف من الأحداث. فعلى عكس العديد من المنصات الإعلامية الأخرى التي كانت تُقيد وتُخفي المحتوى الداعم لفلسطين، رفض ماسك أن تشارك منصته "إكس" (تويتر سابقًا) في تقييد المحتوى المتعلق بالوضع في غزة.

وتسبب موقف ماسك في تهديد بعض المعلنين بسحب إعلاناتهم من المنصة بسبب ما اعتبروه دعمًا لمعاداة السامية، ورد ماسك بحدة وسُباب على هذه التهديدات. وساهمت منصة "إكس" في نشر معلومات حول الوضع في فلسطين للجمهور الغربي والأمريكي الذي لطالما كان تحت طائلة السردية الصهيونية الأمريكية لما يحدث في فلسطين؛ ما أدى إلى ضغوط إضافية على ماسك من قبل المعلنين.

في أكتوبر 2023؛ أبدى ماسك استعداده لتوفير خدمة الإنترنت الفضائي "ستارلينك" التابعة لشركته Space X في غزة لمنظمات الإغاثة المعترف بها دوليًا. ومع ذلك، واجه صعوبات في تنفيذ هذه الخطة دون موافقة السلطات المعنية.

وفي تطور حديث ومفاجئ، أعلن ماسك عبر منصة "إكس" أن نظام "ستارلينك" للاتصالات والإنترنت أصبح نشطًا في أحد مستشفيات قطاع غزة. وأشار إلى أن هذا التفعيل حدث بدعم من المكتب الإعلامي في دولة الإمارات العربية المتحدة وموافقة الاحتلال. وتمثل تلك الخطوة تطورًا مهمًا في جهود ماسك لتوفير خدمات الاتصال في المنطقة.

المستشفى الميداني الإماراتي في غزة

وأعرب وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، عن امتنانه لإيلون ماسك عبر منصة التواصل الاجتماعي إكس. وجاء هذا الشكر تقديرًا لدعم ماسك وتعاونه مع دولة الإمارات العربية المتحدة في تفعيل خدمة ستارلينك في المستشفى الميداني الإماراتي.

وقد أثار رد الملياردير الأمريكي دهشة المتابعين؛ إذ اختار ماسك الرد باللغة العربية، قائلًا: "لا شكر على واجب".

ما هو ستارلينك؟

ستارلينك هو نظام اتصالات فضائي مبتكر طورته شركة سبيس إكس. يعتمد على شبكة كبيرة من الأقمار الصناعية الصغيرة التي تدور في مدار أرضي منخفض. وتعمل هذه الأقمار كنقاط اتصال متحركة؛ إذ تستقبل إشارات من محطات أرضية وترسلها إلى أجهزة استقبال خاصة لدى المستخدمين.

ويتميز النظام بقدرته على توفير اتصال إنترنت عالي السرعة في المناطق النائية والتي تفتقر إلى البنية التحتية التقليدية للإنترنت. تعمل الأقمار الصناعية على ارتفاع منخفض نسبيًا حوالي 550 كم فوق سطح الأرض؛ ما يقلل من زمن الاستجابة ويحسن جودة الاتصال.

الإنترنت الفضائي «ستارلينك»

يحتاج المستخدمون إلى جهاز استقبال خاص، يطلق عليه اسم "Dishy McFlatface"، وهو طبق هوائي ذكي يتتبع الأقمار الصناعية تلقائيًا لضمان اتصال مستمر. بفضل هذه التقنية، يمكن لستارلينك توفير سرعات إنترنت عالية تصل إلى مئات الميجابت في الثانية، حتى في المناطق التي تعاني من ضعف أو انعدام خدمات الإنترنت.

في ظل الحرب الدائرة في غزة، يكتسب توفر الإنترنت في المستشفيات أهمية قصوى. فقد أدى انقطاع الاتصالات إلى فقدان أرواح كثيرة من الفلسطينيين، نتيجة لصعوبة التنسيق بين فرق الإنقاذ وتعذر التواصل مع الأطباء والخبراء خارج فلسطين للحصول على الاستشارات الطبية الحرجة.

الإنترنت في غزة

تعمد الاحتلال الصهيوني تدمير البنية التحتية للاتصالات في غزة بهدف عزل الفلسطينيين عن العالم الخارجي. هذا العمل المتعمد هو الخطوة الأولى لمن يسعى إلى ارتكاب مجازر وإخفاء جرائمه عن أعين العالم.

وفقًا لتقرير The Intercept، فإن الوضع في غزة كارثي من ناحية الاتصالات. فقد أشار دوغ مادوري من شركة كنتيك لمراقبة الإنترنت إلى أن خدمة الإنترنت متوفرة لعدد محدود جدًا من السكان. وأكد أن الوصول إلى الإنترنت قد انخفض بنسبة تتراوح بين 80 إلى 90 بالمائة بسبب نقص الوقود والكهرباء والقصف المستمر.

كشفت مروة فطافطة، محللة السياسات في مجموعة Access Now للحقوق الرقمية، عن استهداف الاحتلال المتعمد للمباني التي تضم شركات الاتصالات الفلسطينية، مثل برج الوطن الذي دُمر بالفعل أثناء الحرب. وتسببت الأضرار الجسيمة التي لحقت بشبكة الكهرباء أيضًا صعوبات بالغةً في منظومة الاتصالات.

انقطاع الإنترنت في غزة

تمثل سيطرة الاحتلال الكاملة على البنية التحتية للاتصالات الفلسطينية، إلى جانب الحظر طويل الأمد على تحديث التكنولوجيا عقبة كبيرة أمام الفلسطينيين. نتيجة لذلك، أصبح سكان غزة مُجبرين على استخدام تقنية 2G البطيئة وغير الموثوقة، وهي تكنولوجيا عفا عليها الزمن منذ عام 1991.

حرم هذا التدمير واسع النطاق والمتعمد الطواقم الطبية من أدوات حيوية للتواصل والاستشارة؛ ما أثر سلبًا على قدرتهم لإنقاذ الأرواح في ظروف بالغة الصعوبة. ويمثل توفير خدمة الإنترنت في المستشفيات الآن، ولو بشكلٍ جزئي، خطوة حاسمة نحو تحسين الرعاية الطبية في غزة. كما ستمكن هذه الخدمة الأطباء من التواصل مع نظرائهم في الخارج، بالإضافة إلى تسهيل تنسيق جهود الإغاثة، والمساعدة في توثيق الانتهاكات الطبية. كل هذا من شأنه أن يسهم في إنقاذ العديد من الأرواح التي كانت ستفقد لولا توفر هذه الخدمة الحيوية.

نتمنى وندعو دائمًا السلامة لأهلنا في غزة!