منذ اندلاع العدوان الصهيوني على غزة، تمكن الاحتلال من إحكام سيطرته على أكبر الشركات التقنية، خاصةً منصات التواصل الاجتماعي؛ فقد أدرك الاحتلال أهمية هذه المنصات في الحرب الإعلامية. ومع سيطرة الاحتلال على جميع منصات التواصل الاجتماعي، ورغم الخوارزميات الصارمة التي فرضتها المنصات على حجب الرواية الداعمة للقضية؛ نجحنا بشكل كبير في كشف التدليس الصهيوني على وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ بدأ العديد من مواطني الغرب في اكتشاف فضائح وجرائم الاحتلال.

وعلى صعيد آخر، تحاول منصات التواصل الاجتماعي دائمًا التوصل إلى أساليب جديدة تُمكنها من إحكام قبضتها على المحتوى المنشور، وذلك بعد نجاحنا في المناورة حول الخوارزميات المُقيدة للمحتوى الداعم للقضية؛ إذ ظهر في هذه الأيام نوعًا جديدًا من أساليب الحجب وتقييد المحتوى على منصة بث الفيديو الشهيرة يوتيوب.

اعتمدت اليوتيوب على فرض القيود العمرية على المحتوى الداعم للقضية، حتى وإن لم يتضمن هذا المحتوى أي مشاهد قاسية أو عنيفة، فيما سمحت المنصة بنشر الاحتلال لمقاطعه دون فرض أي قيود. وتُعد هذه السياسة حجبًا غيرَ مباشرٍ على المحتوى الداعم للقضية؛ إذ نجحت بالفعل في تقييد الوصول إلى المحتوى بشكل كبير.

يبدو أن الشركات التقنية الكبرى تتنافس في دعمها للكيان؛ إذ وصل الأمر بشركة ميتا إلى خيانة ثقة عملائها، عندما دعمت أنظمة الذكاء الاصطناعي لجيش الاحتلال ببيانات من مستخدمي تطبيق الواتساب بقطاع غزة. كما تُعد منصات ميتا أيضًا ضمن أقوى المنصات التي تلتزم بتطبيق أعنف سياسات حجب وتقييد المحتوى الداعم للقضية.

ولم تتمكن منصة X أيضًا من الصمود أمام قوة الكيان في فرض نفوذه على الشركات التقنية؛ إذ بدأت المنصة في حجب بعض الشخصيات الداعمة للقضية؛ رغم بدايتها المُبشرة بدعم حرية التعبير خلال الأسابيع الأولى من اندلاع العدوان. ومنذ أيام؛ شهدنا إيلون ماسك، الملياردير الأمريكي ومالك المنصة، وهو يُعيد نشر تغريدات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو على منصة X، والتي كانت تدعو السلطات الأمريكية بالتدخل لفض الاحتجاجات المناهضة للعدوان الصهيوني في الجامعات الأمريكية بالقوة!

يوتيوب تتصدى للمحتوى الداعم للقضية!

منذ أيام؛ نشر الرابر الأمريكي Macklemore أغنيته الجديدة الداعمة للقضية الفلسطينية بعنوان "Hind’s Hall" أو «قاعة هند»، وهو اسم أطلقه المعتصمون الأمريكيون على إحدى قاعات جامعة كولومبيا الأمريكية، وهي قاعة Hamilton، حيث أقام المعتصمون احتجاجاتهم قبل فضها من قبل الشرطة الأمريكية. أطلق المعتصمون هذا الاسم على قاعة هاميلتون تكريمًا للطفلة الفلسطينية هند رجب؛ والتي ارتقت شهيدةً جرَّاء القصف الصهيوني الغاشم بقطاع غزة.

العلم الفلسطيني أمام قاعة هند (هاميلتون) بجامعة كولومبيا

ومنذ اليوم الأول من نشر المقطع، بدأت اليوتيوب في تطبيق سياسة حجب من نوع جديد؛ إذ وضعت المنصة قيودًا عمريةً على الأغنية لتصبح «للكبار فقط». وذلك رغم احتواء الأغنية أو المقطع على أي نوع من أنواع المحتوى القاسي أو العنيف الذي يعتبره اليوتيوب غير مناسب للأطفال.

المقطع كاملًا نشره Macklemore على حسابه بمنصة X:

ومع انتشار الأغنية رغم هذه القيود، بالغت اليوتيوب في حجبها لتحذف المقطع بالكامل؛ ما دفع الرابر الأمريكي إلى قص العديد من المشاهد واللقطات التي كانت تتضمن صورًا للهتافات واللافتات داخل الاحتجاجات الأمريكية بقاعة هند. ومع ذلك؛ استمرت اليوتيوب في فرض القيود العمرية على المقطع.

تساعد هذه القيود بشكل كبير في تقييد الوصول إلى المحتوى؛ بشكل مباشر وغير مباشر. فعلى سبيل المثال، لن تتمكن من تشغيل الأغنية عند الضغط على رابط المقطع داخل التطبيقات المختلفة؛ إلا في حالة ضبط الهاتف على فتح روابط اليوتيوب بتطبيق اليوتيوب أو بأحد المتصفحات التي تحتوي بيانات تسجيل الدخول لحساب جوجل الخاص بك. ولهذا؛ قد يصاب العديد من المستخدمين بالضجر عند محاولة فتح المقطع، ما يُساهم بشكل غير مباشر في منع وصولهم إلى هذا المحتوى.

وتعمل خوارزمية اليوتيوب أيضًا على منع ترشيح المقاطع ذات القيود العمرية، ما يمُثل حجبًا مباشرًا على هذا المقطع؛ فهي طريقة جديدة تستغلها يوتيوب في حجب المحتوى الداعم للقضية. وللتأكد من صحة هذا الاستنتاج؛ تفتح اليوتيوب المجال أمام العديد من المقاطع الداعمة للرواية الصهيونية، والتي تتضمن أقوالًا مشاهدَ غيرَ مناسبةٍ للأطفال، إذ لم تطبق اليوتيوب أي نوع من أنواع القيود على هذه المقاطع، بل وساهمت خوازرمياتها في نشر هذه المقاطع؛ خاصةً في دول الغرب.

القيود العُمرية التي فرضتها يوتيوب على أغنية قاعة هند

واكتشف النشطاء على منصة X أن يوتيوب بدأت في استغلال هذه الطريقة منذ أسابيع؛ إذ تُطبق المنصة القيود ذاتها على الأنواع المختلفة من المحتوى الداعم للقضية. فعلى سبيل المثال، طبقت اليوتيوب قيودًا عمريةً على المقاطع الإخبارية التي تنشر تطورات الأزمة الإنسانية في غزة؛ بل وصل إلى الأمر إلى فرض هذه القيود على البثوث المباشرة الإخبارية لقناة الجزيرة على اليوتيوب! فقد أصبح واضحًا أمام الجميع أنها سياسة جديدة تتبعها إدارة اليوتيوب لحجب المحتوى.

لا تخفي جوجل انحيازها إلى الكيان الصهيوني، خاصةً بعد تعاونها مع الكيان في مشروع نيمبوس العسكري، الذي يهدف إلى تعزيز ترسانة جيش الاحتلال بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وعلى ذكر مشروع نيمبوس؛ بدأت جوجل حملةً عنيفةً من فصل الموظفين الذين شاركوا في احتجاجات داخل مقارّ الشركة ضد هذا المشروع، إذ وصل عدد الموظفين المفصولين إلى 50 موظفًا حتى الآن! كما أرسلت إدارة الشركة خطاب تحذير شديد اللهجة يُنذر بفصل أي موظف ينخرط في مثل هذه الأنشطة التي وصفتها الشركة بـ «التخريبية».