
فضح كواليس تعاون الوحدة 8200 مع مايكروسوفت للتجسس على الفلسطينيين!
منذ بضعة أشهر، عرَّت المهندسة الحرة "ابتهال أبو السعد" شركة Microsoft وفضحتها أمام العالم، عندما قاطعت خطاب "مصطفى سليمان" بمناسبة الذكرى الخمسين على تأسيس الشركة قائلة: "توقف عن استخدام الذكاء الاصطناعي في الإبادة يا مصطفى، توقف عن استخدام الذكاء الاصطناعي في إبادة شعبنا"!

منذ تلك الحادثة، وحتى قبلها، وهناك العديد من التحقيقات التي تُثبت تورّط Microsoft مع الاحتلال الإسرائيلي، المنفلت والخارج عن كل القوانين والمواثيق، في التجسس على الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره، والمغدور به من العالم.
مؤخرًا، ظهر تحقيق جديد للنور، أجرته صحيفة الجارديان بالتعاون مع مجلّتي "+972" و"Local Call"؛ كشف عن أخطر وأوسع مشاريع التجسس الرقمي التي تقودها وحدة الاستخبارات 8200 (الذراع السيبراني في الجيش الإسرائيلي وتعادل وكالة الأمن القومي الأمريكية NSA)، مستندةً في تنفيذه إلى البنية السحابية لشركة Microsoft عبر منصتها Azure. فما قصة هذا المشروع؟ وكيف استُخدم للتجسس على الفلسطينيين وإبادة الأبرياء؟
صفقة قذرة خلف الأبواب المغلقة

في أواخر عام 2021، حطّت طائرة قائد الوحدة 8200 الإسرائيلية (يوسي ساريئيل) في سياتل، ليدخل مقر Microsoft ويجلس وجهًا لوجه مع المدير التنفيذي ساتيا ناديلا في غرفة اجتماعات مغلقة.
لم يذكر تحقيق الجارديان هذه المعلومة، لكن بما أن اللقاء حدث في أواخر 2021، فأتوقع أن أحداث معركة "سيف القدس"، وحي الشيخ جرّاح، وانتفاضة الداخل بشكلٍ عام كان لها دورٌ أو آخر في دفع الجيش الإسرائيلي إلى تسريع وتيرة تطوير أدواته الرقمية، خاصةً وأن المقاومة آذت الاحتلال وأحرجته عندما توغلت صواريخها في العمق الإسرائيلي. لكن عمومًا، هذا مجرد توقع.
المُهم أن قائد الوحدة المذكورة طلب من ساتيا ناديلا الحصول على دعمٍ مباشر لنقل كميات هائلة من "البيانات الاستخباراتية السرية" إلى البنية التحتية السحابية التابعة لـ Microsoft، والمعروفة باسم Azure. وفقًا للتحقيق، فإن هذه البيانات السرية تشمل معلومات شخصية تم جمعها على نطاقٍ واسع من الفلسطينيين، سواء داخل الأراضي المحتلة أو خارجها، وتشمل محتوى المراسلات الخاصة، وسجلات المواقع الجغرافية، والأنشطة عبر مواقع التواصل (المتواطئة معهم أيضًا)، وحتى تفاصيل الحياة اليومية لأشخاصٍ لم تثبت ضدهم أي شبهة أمنية.
وافق ناديلا على طلب ساريئيل وحصلت الوحدة على مساحةٍ غير محدودة -وآمنة ومعزولة تمامًا- من منصة Azure، ليتم التجسس على كافة الشعب الفلسطيني تقريبًا بمباركةٍ من ناديلا وMicrosoft.
مليون مكالمة في الساعة!

وفقًا للوثائق التي اطّلعت عليها الجارديان، فإن عدد المكالمات التي جمعتها الوحدة 8200 تخطى قدرتها على تخزينها ومعالجتها، حيث كانت تُجمَع مليون مكالمة كل ساعة واحدة فقط! وذلك وفقًا لضباط استخبارات في الوحدة. إذا كنت تظن أن الرقم غير منطقي، ففكر مجددًا، ودعنا نُساعدك على ذلك...
مبدأيًا، فرضت إسرائيل نظامَ رقابةٍ متطور على البنية التحتية للاتصالات الفلسطينية، هذا النظام كان يعترض المكالمات الهاتفية في الأراضي المحتلة بشكل غير انتقائي؛ يتيح لضباط الاستخبارات إعادة تشغيل محتوى المكالمات متى شاءوا.
عدد سكان فلسطين يفوق الـ 5 مليون نسمة، إذا افترضنا أن نصفهم على الأقل يستخدمون الهواتف المحمولة بشكل نشط (والرقم أكبر من ذلك)، فالمليون مكالمة في الساعة سيكون رقمًا منطقيًا تمامًا، لا سيما وأن العملية غير انتقائية كما قلنا.
كيف يمكن لـ Microsoft أن تُشارك في هكذا عملية؟
تدّعي Microsoft أن ساتيا ناديلا لم يكن على علمٍ بنوع البيانات التي كانت تعتزم الوحدة تخزينها. لكن حزمة من الوثائق المُسربة من داخل الشركة نفسها، بالإضافة إلى مقابلات مع 11 مصدرًا من Microsoft ووكالة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أثبتت العكس، بل وأثبتت أن الوحدة 8200 استخدمت Azure من قبل لنفس الغرض.

وفقًا لثلاثة مصادر من الوحدة 8200، فقد سهّل نظام التخزين السحابي Azure التحضير لغارات جوية مميتة؛ غارات استهدفت ليس فقط العناصر المسلحة التي تدافع عن أرضها، بل المدنيين الأبرياء في غزة والضفة.
المصادر أوضحت أن كميات هائلة من المكالمات الهاتفية التي جُمعت من الفلسطينيين كانت تُخزن وتُفهرس على خوادم Azure، ما أتاح للوحدة إمكانية إجراء عمليات بحث معقدة وسريعة لتحديد أهداف بشرية على الأرض.
عند التخطيط لاستهداف شخص داخل منطقة مكتظة بالسكان، كان ضباط الوحدة 8200 يستخدمون البيانات المُخزنة على خوادم Azure، والتي تضم تسجيلات هائلة للمكالمات الهاتفية في غزة. من خلال تحليل هذه المكالمات، كانوا يدرسون من يتحدث مع من، ومتى، وأين، لفهم طبيعة الأشخاص المحيطين بالهدف. هذا التحليل سمح لهم بتكوين صورة استخباراتية دقيقة عن الحياة البشرية في محيط الهدف، ورُغم أنهم كانوا يعرفون بوجود المدنيين والأطفال، فإنهم لم يترددوا في عمليات القصف.
في مايو المنصرم، وعلى غرار ما فعلته ابتهال أبو السعد وغيرها من الشرفاء، قام أحد الموظفين بمقاطعة كلمة رئيسية ألقاها ناديلا صارخًا: "ماذا رأيك أن تُظهِرَ كيف يتم استخدام Azure لتنفيذ جرائم الحرب الإسرائيلية؟"
تنفي Microsoft علاقتها بما تفعله إسرائيل وتدعي مراجعتها لكل شيء وتقول "لم نجد حتى الآن أي دليل على أن Azure أو باقي منتجاتنا تُستخدم لاستهداف أو إيذاء الأشخاص"، ووفقًا لمصدرٍ رفيع في Microsoft، فإن الشركة أجرت محادثات مع مسؤولين إسرائيليين وحددت كيفية استخدام تقنياتها في غزة مُصمِّمَةً على ألا يتم توظيفها في تحديد أهداف للضربات القاتلة.
لكن السؤال: ماذا تتوقع من Microsoft أن تقول؟ كل الدلائل، وعلى ألسنة الموظفين الذين يعملون داخلها، تُشير إلى أنها متورطة في قتل الأبرياء، وهذا لم يعد يخفى على أحد. لكن من الواضح أن Microsoft تفعل ما يفعله "الدبلوماسيون" الإسرائيليون؛ ترتكب الفظائع ثم تُنكر.
استهداف الضفة الغربية تحديدًا

يُذكر أنه منذ تولّى يوسي ساريئيل قيادة الوحدة 8200 في مطلع 2021، وضع على رأس أولوياته توسيع نطاق التعاون مع Microsoft، وذلك بهدف تمكين الوحدة من جمع وتحليل محتوى ملايين المكالمات الهاتفية يوميًا، خصوصًا في الضفة الغربية، حيث يعيش أكثر من 3 ملايين شخص تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي.
وفقًا لمصادر داخل الوحدة، فإن البيانات التي تُخزَّن على منصة Azure لم تكن مجرد أرقام واتصالات عادية، بل شكّلت مستودعًا غنيًا من المعلومات الاستخباراتية عن حياة سكان الضفة. استُخدمت هذه البيانات - بحسب التحقيق - في التنصت على الأفراد، وابتزازهم، وسَجنهم، بل وحتى تبرير تصفيتهم بعد وقوع الغارات.
الملفات المسرّبة تشير إلى أنه حتى يوليو المنصرم، كانت خوادم Azure في هولندا تحتفظ بـ 11,500 تيرابايت من بيانات الجيش الإسرائيلي، ما يعادل تقريبًا 200 مليون ساعة من الصوت المُسجل، مع نسبة أقل مخزّنة في إيرلندا. ورغم أن التحقيق لم يوضح إذا ما كانت هذه البيانات تعود بالكامل للوحدة 8200، فالشيء المؤكد أن الوحدة كانت تسعى لنقل 70% من بياناتها، بما في ذلك البيانات "السرية" و"شديدة السرية"، إلى بنية Microsoft السحابية.
وفي السياق ذاته، كشف التحقيق عن أن إسرائيل اعتمدت على أدوات الذكاء الاصطناعي لرصد 37 ألف هدف تابع لحماس، في خطوة قد تبدو "متطورة تقنيًا"، لكنها في الواقع أدّت إلى مجازر بشرية لا زلنا نشهدها حتى اليوم.
?xml>