بعد رفض صفقة أكتفيجن | مايكروسوفت محاصرة في خانة اليّك فكيف تنجو؟
لم يكن يتوقع أحد أن يأتي قرار لجنة التجارة والمنافسة بالمملكة المتحدة على هذا النحو من القسوة. حيث رفضت اللجنة إتمام صفقة استحواذ مايكروسوفت على أكتفيجين.
مايكروسوفت كانت تعتقد أن قرار لجنة التجارة والمنافسة بالمملكة المتحدة سيأتي بشكل إيجابي وفي صالحها. معظم التقارير التي صدرت قبل القرار كانت تُشير إلى موافقة اللجنة على الصفقة. خصوصًا وأن مايكروسوفت وقعت عدد كبير جدًا من صفقات الـ 10 سنوات مع شركات الألعاب بخصوص ألعاب شركة Activision.
هذا القرار جاء بمثابة الضربة القاسمة لمايكروسوفت ووضعها في خانة اليك، فلماذا أثر هذا القرار على مسار الصفقة بشكل كبير جدًا. ولماذا تحتاج مايكروسوفت الصفقة من الأساس وكيف ستعالج الموقف؟
ما أهمية القرار؟
صفقة استحواذ مايكروسوفت على أكتفيجين تجاوزت قيمتها الـ 65 مليار دولار وبعض التقارير أشارت إلى تجاوز الصفقة حاجز الـ 68 مليار دولار مما يجعلها واحدة من أكبر صفقات الاستحواذ في التاريخ وليس في صناعة الألعاب فقط.
بالطبع إذا تمت الصفقة ستكون هي الأكبر في صناعة الألعاب ولكنها كذلك من أكبر الصفقات في التعاملات التجارية عمومًا ويمكن وضعها في قائمة أكبر 20 استحواذ من حيث القيمة.
عندما نتطرق إلى مثل هذه الصفقات الكبيرة يجب أن تحدث موافقة من هيئات الاحتكار والمنافسة العادلة في معظم البلاد أو على الأقل البلاد الكبرى التي تمتلك أسواق ضخمة، لأن عدم موافقة أي لجنة من هذه اللجان قد يعطل إتمام الصفقة.
ونحن هنا نتحدث عن المملكة المتحدة التي تعتبر واحدة من أهم أسواق صناعة الالعاب عمومًا، ولا أتحدث عنها كـ مركز للصناعة بل سوق استهلاكي يجب على مايكروسوفت ضمان موافقته على الصفقة.
إذًا هذه الموافقة ضرورية جدًا في عملية إتمام الصفقة ولا يمكن تجاهلها بأي شكل من الأشكال وهو ما دفع مايكروسوفت إلى الاستئناف على هذا القرار، لأنه بسهولة لا يمكن تجاهل هذا القرار حتى وإن وافقت معظم اللجان الآخرى، وهو ما حدث بالفعل فقد وافقت العديد من اللجان في بلدان مختلفة مثل اليابان، المملكة العربية السعودية، وأخيرًا أوكرانيا.
لماذا تم الرفض؟
قرار لجنة التجارة والمنافسة بالمملكة أوضح أنه قرر رفض الصفقة لحماية فكرة اللعب السحابي، اللجنة ترى أن خدمات اللعب السحابي هامة جدًا داخل المملكة في الوقت الحالي مع تقارير تؤكد نموها خلال الأعوام القادمة.
وصفقة بمثل هذا الحجم قد تمنح مايكروسوفت ميزة احتكارية عن طريق لعبة مثل Call of Duty، ولكن الجديد هنا والغير متوقع أن اللعبة قد يتم استغلالها لدعم خدمات اللعب السحابي الخاصة بشركة مايكروسوفت على حساب الشركات الأخرى، وبالتالي إنعدام المنافسة وبعد ذلك قد تتحكم مايكروسوفت في الأسعار كما تشاء.
خلال التقرير أوضحت اللجنة بعض الأرقام المتعلقة بخدمات اللعب السحابي داخل المملكة حيث ترى اللجنة أن خدمات اللعب السحابي يمكنها تحقيق عائدات سنوية تصل إلى 1 مليار دولار بحلول 2026 وأشارت إلى أن عائدات الموسيقى داخل المملكة كانت 1.1 مليار دولار في عام 2021.
هنا تحاول اللجنة الإشارة إلى أهمية خدمات اللعب السحابي وأنها ذات أهمية تقارب أهمية الموسيقى من حيث الصناعة وحجم الأموال الموجودة داخلها، كما أشارت اللجنة إلى أن مايكروسوفت تمتلك بالفعل سوق كبير فيما يتعلق بخدمات اللعب السحابي داخل المملكة المتحدة، وتمتلك سوق كبير داخل المملكة فيما يتعلق بصناعة الألعاب عمومًا عبر أجهزة إكس بوكس ومنصات الحاسب الشخصي التي تعمل بنظام ويندوز.
ليست كل الحقيقة!
هنا تبدأ فقرة التوقعات والتسريبات، حيث أشار الكثير إلى دخول سوني على الخط وأن هذا القرار هو مجرد واجهة تخفي الأسباب الحقيقية، الكثير يقول أن سوق الألعاب السحابية ليس بهذا الحجم المؤثر خصوصا وأن الشركات الشهيرة في هذا المجال مثل Nvidia GeForce وقعت مع مايكروسوفت على اتفاق الـ 10 أعوام الشهير.
لا يتبقى الكثير من شركات اللعب السحابي الموجودة في الوقت الحالي التي يمكن أن نقول أنها ستتضرر من هذه الصفقة، حتى خدمة مثل Google Stadia تم إغلاقها.
الـ Game Pass يدخل على الخط
القنبلة كانت مع تقرير تم نشره بعد قرار الرفض أكد أن اللجنة عرضت على مايكروسوفت الالتزام بعدم رفع سعر خدمة الـ Game Pass مقابل الموافقة على الصفقة. والغريب أن العملاق الأخضر رفض هذا الطلب.
هنا نعود إلى سوني مرة أخرى لآن هذا التقرير يُشير إلى المشكلة الحقيقية وأن خدمات اللعب السحابي ليست إلا مجرد فقاعة لا تدل على الأسباب الحقيقية.
خدمة الجيم باس تعتمد عليها مايكروسوفت في حسم معركة هذا الجيل أمام سوني خصوصًا وأن بلايستيشن صرحت في أكثر من موقف أنه لا يمكن لها منافسة الجيم باس وأن هذا الشكل من الخدمات يؤثر على الصناعة بشكل سلبي.
وفي نفس الوقت تُدرك سوني أن التسعيرة الحالية لخدمة الجيم باس ليست عادلة ولا تحقق أي ربح لإكس بوكس، وهو ما تُدركه مايكروسوفت أيضًا، وبالتالي فإن هذا التقرير مقبول كفكرة ولكن للأسف هذه التقارير كلها هي مجرد تسريبات لا يمكن الجزم بصحتها.
ما مصير صفقة استحواذ مايكروسوفت على أكتفيجين؟
للأسف دخلت الصفقة نفق مظلم لا نور فيه، الآن أمام مايكروسوفت موافقتين على نفس القدر من الأهمية، موافقة الاتحاد الأوروبي وكذلك موافقة لجنة التجارة بالصين.
وحتى إذا جاء قرار هذه اللجان بالموافقة فما زالت تحتاج مايكروسوفت إلى موافقة لجنة المملكة المتحدة، وبالتالي ليس أمام العملاق الأخضر سوى اللجوء إلى الاستئناف.
جميع التقارير أشارت إلى أن الاستئناف قد يأخذ الصفقة إلى نهاية عام 2024 أو منتصفه على أقل تقدير، وهو ما يعني تعطيل كبير جدًا قد يؤثر على إكس بوكس خصوصًا وأن إكس بوكس يحتاج إلى هذه الصفقة في أسرع وقت.
منصات إكس بوكس هذا العام بالتحديد تشهد تراجع كبير جدًا والعديد من المشكلات بسبب غياب الألعاب، في العام الماضي لم تقدم مايكروسوفت الألعاب التي نحتاجها بالفعل وتم تأجيل معظم الألعاب.
ومع بداية هذا العام بدأت الشركة في التذبذب، لا يوجد خطة كبيرة ومحكمة لجلب ألعاب طرف أول على منصات Xbox Series، حتى لعبة Redfall الحصرية تعرضت إلى حملة هجوم شرسة بسبب غياب طور الأداء منها وقدوم اللعبة بشكل ناقص إلى حد ما.
حتى الآن لم تصدر اللعبة بشكل نهائي وهي حاليًا في فترة المراجعات، ونأمل أن تصدر اللعبة بشكل جيد في النهاية لأن إكس بوكس في وضع حرج بالفعل.
هذا الجيل قدمت إكس بوكس منصة ممتازة من حيث العتاد والتقنية ولكن يتبقى الألعاب، وفي الحقيقة يبدو أن الشركة لم تكن تعتمد على عناوين الطرف الأول بشكل كبير، بل كانت تعتمد على خدمة الجيم باس، وهو ما حدث بالفعل.
مع بداية الجيل الجديد بدأت خدمة الجيم باس في جذب أعداد ضخمة من اللاعبين ولكن وصلت الخدمة إلى درجة ذروة وتحتاج إلى عنوان كبير جدًا يدفعها إلى الأمام وهذا العنوان كان Call of Duty من المفترض.
مع غياب هذا العنوان نتوقع أن تقف الخدمة عند الحد الذي وصلت له بالفعل، وهو ما يضع الشركة في وضع حرج للغاية خصوصًا وأن الشركة لا تقدم عناوين طرف أول حصرية قوية خلال العام الجاري ماعدا Starfield التي نأمل أن تكون جيدة لأنها ستكون المسمار الأخير في نعش العملاق الأخضر فيما يتعلق بصناعة الألعاب.
ألعاب الهواتف لها دور كبير جدًا
في الحقيقة إذا نظرنا إلى الغرض من صفقة الاستحواذ نجد أنها لا تقتصر على لعبة Call of Duty فقط وخدمة الجيم باس. بل للصفقة بُعد أخر هام وهو ألعاب الهواتف.
إذا تمت الصفقة فستمتلك مايكروسوفت عدد من العاب الهواتف الهامة جدًا مثل Candy Crush، Diablo Immortal، وبالطبع Call of Duty Mobile.
هذه الألعاب تضمن سوق ضخم وكبير جدًا لمايكروسوفت، سوق لا تمتلك فيه أي حصة لأن الشركة لا تمتلك ألعاب هواتف قوية إلا بعض عناوين Bethesda مثل Fallout Shelter.
إذا تم رفض الصفقة ستضيع على مايكروسوفت فرصة ذهبية للدخول إلى عالم ألعاب الهواتف، وبالمناسبة هذا السوق هو الأكبر والأكثر نموًا بين جميع أسواق صناعة الألعاب.
كيف تخرج مايكروسوفت من هذه الأزمة؟
نعم مايكروسوفت في أزمة كبيرة، لأن إكس بوكس لم تقدم أي جديد حتى الآن على الرغم من انتهاء الربع الأول من عام 2023، ومن المتوقع بهذا الشكل أن لا يتم غلق الصفقة خلال العام الجاري.
الشركة تحتاج إلى إطلاق عناوين طرف أول جيدة وبالطبع لا يمكنها تطوير لعبة بين ليلة وضحاها، ولكن أول خطوة تحتاجها أن تقدم لعبة أسطورية مع إطلاق Starfield، هذه اللعبة بالتحديد لا يمكن بأي شكل أن تكون مجرد لعبة جيدة أو ممتعة، يجب أن تكون لعبة أسطورية تنفذ الشركة وتحفظ ماء وجه إكس بوكس.
نحتاج كذلك إلى بث جديد يبين العناوين التي ننتظرها وإلى أي درجة وصلت، بث يُعيد الثقة في منصات إكس بوكس، بث يركز على ألعاب AAA طرف أول وليس عناوين طرف ثالث قادمة على خدمة الجيم باس أو ألعاب متوسطة.
مواجهة بلايستيشن بشكل أكثر شراسة
تحتاج إكس بوكس إلى إظهار أنياب ومخالب قادرة على إحداث أضرار بشركة بلايستيشن. مشكلة إكس بوكس أنها تعمل في العلن بشكل دائم، وفي حقيقة الأمر تحتاج الشركة إلى العمل بصمت أبر وبفاعلية أكثر.
يمكن للشركة إتمام اتفاقات حصرية مع شركات الطرف الثالث كما تفعل بلايستيشن مع شركة مثل Square Enix. إكس بوكس لديها 65 مليار دولار جاهزة لإتمام صفقة الاستحواذ.
ويمكنها بهذه الأموال التوقيع على عقود حصرية مؤقتة لمدة 6 أشهر فقط، إذا بدأت الشركة في إبرام مثل هذه العقوم ستمتلك سوق الألعاب حرفيًا.
حتى لعبة مثل Call of Duty يمكن لإكس بوكس ضمان وجودها حصرية لمدة معينة، أو حتى جلبها على خدمة الجيم باس مقابل اتفاق خاص ليس له علاقة بصفقة الاستحواذ أصلًا.
ماذا فعلت مايكروسوفت حتى الآن!
الشركة لم تفعل الكثير فقد أعربت عن حزنها من القرار وعزمها الاستئناف على الحكم، كما أعلنت الشركة موافقة لجنة التجارة والمنافسة بأوكرانيا على الصفقة مع انتظار رد الاتحاد الأوروبي والصين.
كذلك أعلنت الشركة عن قيامها بتوقيع اتفاق العشر سنوات مع بعض شركات اللعب السحابي ولكنها خدمات محدودة ليس لها ثقل في المجال عمومًا.
التحرك الهام الوحيد هو بعض التقارير التي أشارت إلى توجه الشركة لشراء فرق تطوير ألعاب على الهواتف بعد تعرقل الصفقة، وهذا التوجه مفهوم جدًا لأن الصفقة الغرض منها في الأصل ألعاب الهواتف إلى جانب دعم الجيم باس.
لكن في المجمل تحركات الشركة هشة جدًا وتوضح حجم المشكلة التي وقعت، الشركة كانت تخطط كل الأمور على فرض أن الصفقة مؤكدة وسيتم إغلاقها في القريب العاجل، لا يوجد أي خطط ثانوية حتى الآن في الأفق.
هل تتأثر أكتفيجين؟
على المدى القريب نعم وهو ما حدث بالفعل لأن أسهم الشركة انخفضت بنسبة لا بأس بها بعد إعلان رفض الصفقة. لأن جزء كبير من عمليات الشراء تمت مع توقعات بإتمام الصفقة وعندما تم رفضها بدأت عمليات البيع في البدء.
ولكن مع الوقت ستستقر الأسهم عند قيمتها الحقيقية وستبدأ بالتعافي مع إطلاق الشركة عناوين جديدة في المستقبل وبالتحديد الجزء الجديد من سلسلة Call of Duty.
أما عن المدى البعيد فلا يوجد تأثير حقيقي على الشركة خصوصًا وأن الشركة تحقق عائدات مالية ممتازة بفضل Call of Duty، ستتعافى الأسهم من جديد وربما تأخذ الشركة شرط جزائي إذا تم إلغاء الصفقة للأبد.
الحزين في الأمر هو أن هذه الصفقة كنا نأمل من ورائها أن تعود الروح إلى ألعاب Blizzard من جديد لأن الشركة بدأت تتوارى عن الأنظار مُنذ استحواذ Activision عليها بسبب التركيز على سلسلة Call of Duty فقط.
الخلاصة
هذا الجيل من المنصات المنزلية يشهد الحرب الأشرس بين الشركات. كل شركة تتحرك لضمان حقوقها وعدم التفريط في السوق، والحقيقة هذه الأزمة أظهرت وجه خفي للصناعة عمومًا حول العالم.
مايكروسوفت تحتاج إلى التحرك بشكل أكثر شراسة ولن ينفعها محاولة تصدير الوجه الطيب للمجتمع، لأن الأمور لا تسير على هذا النحو.
بالطبع لا ألعب هنا دور الناصح لشركة مثل مايكروسوفت ولكني أنقل ما حدث بالفعل، لقد قامت سوني بالاستحواذ على Bungie ومع ذلك لم نرى تحرك واحد من إكس بوكس، بينما قامت سوني بقلب الدنيا رأسًا على عقب بسبب صفقة أكتفيجين.
كذلك يجب على مايكروسوفت الاعتماد على ابتكارها الخاص وعناوينها في الاستحواذ على شريحة أكبر من سوق الألعاب، بدلًا من التركيز على شراء عناوين جاهزة موجودة بالفعل في السوق.
?xml>